أيامنا البرتقالية

عبثاً نحاول النظر إلى العنف باعتباره اجتماعياً خالصاً، المصدر والجذور. فكل ما يحيط بنا من مظاهر السيطرة والتحكم يجعل من اعتباره اجتماعيا فقط ترفاً.. وعلى الأرجح لن يُقدَّر له النجاح. فالقراءة التي لا ترى المساحة المشتركة بين العنف القومي والاجتماعي، قاصرة ومُضلِّلة. هذا ما يؤكده التقرير الإعلامي الذي أزاح النقاب عن اغتصاب شابة فلسطينية في مركز شرطة الاحتلال، وما أضافه المحامي الذي يتولى القضية.
بعد صراع مع النفس لم يدم طويلاً حسمت الفتاة (X) حسمت الشابة أمرها وتقدمت بالشكوى تنشد المساءلة والوصول إلى العدالة. بين رغبة في الصمت والتعايش مع القهر لم تتمكن الشابة من التأقلم والتكيّف، أرادت تلقين المغتصب درساً لن ينساه كما أَمِلت، تجد نفسها وسط دهاليز أخطبوطية، احتلال يحاول التملص من الجريمة.
تصطدم توقعاتها وآمالها بجدران الاحتلال العنصرية، تخلصوا من الأدلة التي ينبغي أن تكون متوفرة، السجلات والكاميرات، الدخول في أروقة الإجراءات القضائية، تتخطى الفحص الآلي الخاص بكشف الكذب (بولي غراف).
مماطلة وتأجيل متعمَّد عاما خلف عام، وصولاً إلى إغلاق القضية باعتبار أن المجرم غير معروف.

اعتراف بالواقعة
بعد ست سنوات على واقعة الاغتصاب، تخرج الشابة عن صمتها إلى وسائل الإعلام، تروي قصة اغتصابها، قصة اقتيادها من الحاجز إلى أحد مراكز الشرطة، المحقق يتحرش بها ويفشل أمام دفاع الضحية عن نفسها، يتمكن أحد أفراد الشرطة من السيطرة على ضحيته بالقوة ويقوم بفعلته الشائنة.
من يغتصب الأرض لن يتوانى عن اغتصاب ما يريد.
التحريض العنصري اليومي ضد الشعب يقود إلى انفلات غير مسبوق للعنف، وتنال المرأة مساحة واسعة من مفرداته، الدعوات الجدية إلى إبادة الفلسطينيين والتحريض على ذبح أمهاتهم “لأنهن ينجبن المقاومين”. فكر لا يتباين مع الفكر “الداعشي”، سبي النساء، اغتصابهن ليشعر الرجال بالذل والإهانة.
لم تتمكن السيدة (X) من تصغير الحادث وتحل القضية مع ذاتها، أكبر من التعايش معه، بدأ كبيراً واستمر في التمدد، فشلت في الحصول على حقها، بقيت الحقيقة العاجزة ماثلة أمامها، لا يمكنها البوح وذاكرتها المحشوة بالعنف لا تتجاوز مكانها ولا تتعايش مع مرور الزمن.
لم يعد بإمكانها العودة لما قبل الاغتصاب، فشل القضية أوصل السيْل الزبى. تحدثت، سيَّلت وجعها أمام المجتمع، فكانت الصدمة، ردود فعل سلبية، تشكيك بحقيقة الرواية وصدقيتها، تخطئتها. ظلم ذوي القربى أشد وقعاً.
العنف الاجتماعي ضد المرأة موجود ولا نكران أو تنكر له، مشدود بقوة إلى حبال الثقافة السائدة والتمييز الممارس ضدها وموقعها في الوعي الجمعي، مصدر للمشاكل والفضائح.
وفي الحالة الفلسطينية يسهم عنف الاحتلال في ارتفاع وتيرة العنف الجمعي يستره أو يتستَّر عليه، يتحالفان معاً على ضحايا العنف، لجهة تظهير القضية.
حالة الشابة وردود الفعل السلبية عليها تظهران المعادلة في أوضح حالاتها. الصمت سيد الموقف. تظهر حقيقة تحالف العنف القومي مع الاجتماعي لإحكام الطوق حول الأعناق.
عنف الاحتلال يخرِّب التركيز على العنف الاجتماعي، بسبب النكران والتنكر له من قبل بعض الشرائح، ولأن البعض يصرُّ على وضع المرأة الفلسطينية ضمن هالات من خطاب القداسة، الأرض والعرض، بينما تذهب الفئة الثالثة نحو تجرِيم المرأة وتحميلها مسؤولية تعرضها للعنف.
العامل الإسرائيلي ونظام السيطرة يحتل أجندة وبرنامج المجتمع، يصبغ جميع أيامنا بريشته الدموية، حتى الأيام البرتقالية التي تستنهض النساء لمواجهته، على مدار 16 يوماً الممتدة بين اتفاقيتين حقوقيتين، اتفاقية القضاء على العنف ضد المرأة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بين الخامس والعشرين من تشرين الثاني والعاشر من كانون الأول، تُسلّط بها الكواشف على العنف وتداعياته على النساء.
الحقيقة، قلّة من يكسرن جدار الصمت ويرفعن الستر عن العنف الجنسي خاصة، التحرش على الحواجز. انه عار الاحتلال وليس عارهن. عار على الاحتلال اغتصاب امرأة في حكم الأسيرة.
في الأيام البرتقالية، لن يتم تحليل العنف الواقع على المرأة الفلسطينية دون تقديم تحليل بنيوي لهياكل العنف الراسخ في البنى المختلفة، الحواجز والمستوطنات والجدران والمعابر، إلى جانب مساحات التداخل بين عنف الاحتلال والمجتمع الذكوري وميكانيزمات طبقات العنف ضد المرأة، القومي والسياسي والجنسي والطبقي.

ريما كتانة نزال
2017-11-27

Be the first to comment

Leave a Reply