مضى على قتل «سها» ثلاث سنوات، إلا أن ملف القضية بقي مفتوحاً على مصراعيه، فالمغدورة أم لخمسة أطفال، حمَّلهم والدهم وصمة سترافقهم في حياتهم. ولما كان الحكم على الجاني كالذي ارتكب جنحة، قام منتدى العنف ضد المرأة بخطوة شجاعة، استئناف القضية باسم الحق العام، لإبقاء ملفها مفتوحاً. انطلاقاً من قناعة بأن على المجتمع الفلسطيني أن يرى العدالة تأخذ مجراها، وإعادة الحق للنساء اللواتي حُرمن طويلاً منها. سيبقى ملف المغدورة مفتوحاً، لأن المجرم حُكم عليه بالسجن لمدة عامين، مستفيداً من المادة 98 من قانون العقوبات، حيث تَخَفَّفَ القاتل من عقوبة القتل بواسطة العذر المُحِل، وقبل صدور القرار بقانون رقم (10) لسنة 2014 بأيام، الذي قام بتعديل المادة رقم 98 من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960. أيام قليلة فصلت بين إلغاء العذر المخفف للعقوبة المنصوص عليه في المادة 98 من قانون العقوبات في 31 أيار 2014، وبين الحكم الصادر على القاتل في نيسان من نفس العام بسجنه لمدة عامين مستفيداً من المادة ذاتها. بين مفهوم القتل الجنحة ومفهوم القتل كجناية. هذه هي الحكاية. الملف سيبقى مفتوحاً، لأن التعديل على أهميته، كرَّس الثقافة النمطية، فالتعديل سحب الدسَم من النص مباشرة، بتعامله مع مصطلح «الشرف» المُضَلِّل! فإنْ اتجهت إرادة المشرِّع إلى زرع ثقافة مفادها بأن لا أعذار في قضايا القتل المرتكبة على خلفية ما يسمى «شرف العائلة»، فلماذا الإبقاء على مصطلحات ترتبط بالعذر وثقافته، أو التذكير بهما في النص المعَّدل؟! «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه، ولا يستفيد فاعل الجريمة من هذا العذر المخفف إذا وقع الفعل على أنثى بدواعي الشرف». الجملة الأخيرة فائضة عن حاجة القانون، تستقصد التباس النص في أبعاده الثقافية والتوعوية، وتدلّ على أننا كلما تقدمنا خطوة نحو الأمام باتجاه العدالة، سيصر البعض على العودة خطوة إلى الوراء، بما يجعلها كأنها لم تكن. الملف مفتوح، لأن المجرم يطالب بتعويض مادي عن أربعة أشهر زيادة على مدة الحكم، قضاها في السجن. قيل قديماً إن الملك فرعون قد فرعن واستكبر، لأن استكباره لم يُرَد إلى نحره، فالجاني لم تطله يد العدالة لقاء جريمته، لأنه اعتاد بأنها أحد حقوقه نظراً لملكيته الضحية، يملك حياتها وموتها، وذلك لأنه استفاد من العذر المخفف للعقوبة رغم انتفاء ثورة الغضب عن فعله، فالمعروف أن الجاني استمر في التحقيق مع زوجته لمدة أسبوع بغرض سحب اعترافاتها، قبل أن يقتلها! الملف ما زال مفتوحاً، لأن القضية ما زالت ماثلة في المحاكم، لأن الحكم بالسجن لمدة عامين على قاتل زوجته؛ يشبه عقوبة من يصدر «شيكات» بلا رصيد، بل إنها تعكس الفكر الذكوري الذي يوجه عقلية القضاة في المحكمة، فشمس القتل لا يمكن أن تغطي غربال قتل سها عمداً وعن سابق الإصرار والترصد. سيبقى الملف مفتوحاً، لأن بعض القانونيين والمحامين يقفون ضد التعديل بدوافع مصلحيّة، فالتعديل لا يوفر لهم فرصة كسب القضايا المرفوعة على صعيد جرائم قتل النساء وخاصة المرتكبة في إطار الأسرة. سيبقى الملف مفتوحاً، لأن أصحاب القرار لم تتوفر لديهم الإرادة بعد، في عبور الجسر نحو تغيير الأنماط والسلوكات الاجتماعية، لأن التغيير لن يتحقق بمعزل عن اتخاذ سياسات تأسيسية من شأنها صنع التغيير الذي ينشده القانون الأساسي ومرجعياته، ويؤشر عليه المصادقة على «سيداو»، سياسات وتدخلات ذات صلة بالمناهج الدراسية والإعلام ونشر ثقافة التعدد والمساواة. سيبقى الملف مفتوحاً، طالما يتم إسباغ القداسة على القانون وهو منها براء، وطالما لا يزال البعض يعتبر جرائم قتل النساء ظاهرة صحية، تخدم تماسك الأسرة، عوضاً عن رؤية حقيقة آثارها المدمرة على الأطفال وعلى وحدة الأسرة والمجتمع. لن يغلق ملف الجرائم ضد النساء، قبل إصدار قانون العقوبات الفلسطيني الجديد المنطلق من الواقع نحو النصوص، فلا يعقل استمرار الاستعانة بقانون عقوبات صدر منذ ستة عقود، قانون متقادم لا يتناسب مع العصر، التمسك بقانون قد أكل الدهر عليه وشرب. لن يغلق ملف قتل النساء وسيبقى هناك مهرب للمجرمين من القصاص، إذا لم يتم الإسراع في إقرار مشروع قانون عقوبات فلسطيني، خال من أشكال التمييز ضد المرأة، يجرِّم التمييز ويفرض عقوبات رادعة على ممارسته، وإقرار مشروع قانون حماية الأسرة من العنف الذي يضمن تحقيق العدالة.
بقلم: ريما كتانة نزال
Leave a Reply
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.