أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في 5/3/2020 عن تسجيل أول حالات إصابة بفيروس كورونا في فلسطين، حيث تم تسجيلها في مدينة بيت لحم، وهو ما دفع الرئيس الفلسطيني، إلى الإعلان عن حالة الطوارئ في فلسطين، مدة 30 يومًا قابلة للتجديد.
ومنذ اندلاع الازمة وتفشيها كشفت كورونا عن عورة الحكومة الفلسطينية والمؤسسات والمجتمع، حيث انشغلت الحكومة في محاربه هذا الفيروس وغفلت عن الفيروس المجتمعي الحقيقي والأخطر وهو العنف الاسري بشكل عام والعنف ضد النساء والفتيات بشكل خاص.
بالرغم من تاريخ النضال النسوي الطويل في العمل على الحد من العنف الموجه ضد النساء، والذي برز من خلال العديد من الاحتجاجات والوقفات والبيانات والشعارات، التي طالبت ولا زالت تطالب بإقرار القوانين وتفعيل الاجراءات الخاصة بحماية النساء والفتيات من العنف.
وتتصدر دولة فلسطين قائمة الدول الاولى في صناعة وانتاج الدراسات والتقارير والأبحاث والخطط التي تفسر وتحلل وتقدم التوصيات لحل ظاهرة العنف ضد النساء،ولم يقتصر هذا الدور على مؤسسات الحكومة فقط بل المنظمات الدولية والحقوقية وغيرها.
وإذا نظرنا وتابعنا أيضا عن قرب نجد ان جميع قنوات المؤسسات الحكومية من اعلام ومواقع الكترونية تطلق وتصمم أجمل واروع واحنك الخطط الاستراتيجية القصيرة والطويلة الامد، لدرجة اننا أصبحنا ننافس الدول المتقدمة في انتاج المعرفة الخاصة بحقوق النساء.
الا اننا لم نصل الى تحقيق النتائج المرجوة منها حتى الان، في الحد من ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات، إذا فما الذي يحدث، لماذا ونحن على أبواب عام 2021, مازلنا نشهد حالات الضرب تزداد والقتل والانتحار والهروب من المنازل تتكاثر أعدادها، والتي اصبحت مثل الاخبار اليومية المتكررة التي نسمعها كل يوم في الاخبار المحلية.
وأصبح وطننا يشهد مظاهر وسلوكيات هي الاعنف من نوعها، حيث يعمل على اعادة انتاج بينوني قائم على عزل الجنس الاخر عن المشاركة وصنع القرار والسماح لحركات ظلامية تكفيرية تجهر وتعلي صوتها في الساحة الفلسطينية.
أصبح النسق الاجتماعي للشعب الفلسطيني من شباب وأطفال، يرون ان العنف الأسري ما هو الا متطلب نفسي وسلوك مستحب، يمثل ضرورة اجتماعية وثقافية واقتصادية، فهو موروث تداولته الاجيال، حيث أصبح منهجا صحيا وسليما ومستحباً فرضه النظام الابوي من منطلق المسؤولية الاجتماعية من اجل العمل على حماية امن وسلامة مصالح الاسرة.
ولا زلنا نرى ان الادوار الذكورية متسلطة وسائدة في مجتمعنا الفلسطيني ومؤسساته ولا زالت تُشيئ النساء الفلسطينيات حيث أصبحت نظرية التوظيف النظري تُورث الاساءة والتمييز والعنف كواجب دوري تفرضه الثقافة الفلسطينية.
كل هذا يحدث ضد نساء فلسطين، القويات، المعطاءات، المثابرات، الصامدات، القائدات، الحقوقيات وعلى مرأى ومسمع المجتمع الفلسطيني والحكومة الفلسطينية.
وهذا يدفعني الى التساؤل لماذا لم تصب تلك الجهود المبذولة في احداث التحول الاجتماعي والثقافي والتغيير في ميزان علاقات القوى الجندرية داخل المجال الخاص والعام. ولماذا عملية الصيرورة التحويلية لم تكتمل بعد بشكل كلي، بصورة تضمن جميع الحقوق للنساء، فالحد من العنف يتطلب العمل على تلبية جميع الحقوق وليس تجزئتها.
ومن هنا وجدت انه لابد من تشخيص تلك الاشكاليات الفلسطينية وصبها في أسئلة من أجل معالجتها موضوعياً فهل مشكلاتنا فعلاً في اقرار القوانين الحامية من العنف، خاصة قانون حماية الاسرة، ام في الاجراءات التنفيذية الفاعلة الرادعة ضد تعنيف النساء، ام الثقافة الذكورية التي تكرس دونية المرأة، ام الحركات الظلامية، ومن المسؤول في النهاية عن ذلك.
فكانت الإجابة انها الدولة الفلسطينية الغافلة عن العمل الحقيقي والجاد في تحقيق مساواة قانونية واجتماعية واقتصادية وسياسية واقعية بين النساء والرجال، حيث لم تعالج الأسباب الرئيسية للعنف وكرست من التمييز القائم على الجنس والنوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات. انها الدولة التي سمحت للحركات الرجعية والظلامية تكفر وتطعن وتشكك في انتماء ووطنية النساء, انها الدولة التي لم تلتزم بالإجراءات التنفيذية الوقائية الرادعة والنافذة لحماية النساء, انها الدولة التي عملت على اعادة انتاج قوة مجتمعية ثقافتها تقليدية تهمش وتقصي وتقلل من أدوار ومكانة النساء, انها الدولة التي اعلنت خطط وشعارات الدولة المدنية، ولكن ما تمارسه من خلال ادواتها واليات عملها, تُظهر انها بعيدة كل البعد عن مفهوم المدنية ومؤشراتها في قضايا النساء.
وهنا في نهاية المطاف انني أرى اننا وفي هذا الوقت الحساس من تاريخ نضال الحركة النسوية الفلسطينية اننا بحاجة الى وقفة جادة وحقيقية امام صناع القرار في الحكومة الفلسطينية, ومسائلتهم حول دورهم الحقيقي في تعزيز قيم وسلوك حقوق النساء وان لا نترك لحفنة من المحظوظين في تقلد مواقع الحكم ان يبثوا ويقرروا في حقوق النساء الفلسطينيات وان علينا كحركة نسوية فلسطينية ان نغير من اليات وأدوات الضغط على الدولة الفلسطينية بحيث تكون اكثر تأثيرا, في تعجيل إقرار القوانين ووضع الحدود امام جميع من يضعون حواجز تكفيرية ضد النساء، والاستمرار في البحث عن كل عقل مستنير تدافع و يدافع عن حرية الانسان ويعتبرون الحوار بود وصدق وسيلة هادفة للحد من العنف الاسري, من اجل تغيير الوعي الثقافي الفلسطيني واعادة بناءه واحياءه باتجاه الايمان بالعدالة الاجتماعية واحترام الحريات والحقوق المدنية.
ولنعمل معاً وسوياً على اقرار القوانين الحامية لحقوق الانسان وعلى وجه الخصوص حقوق النساء، خاصة قانون حماية الاسرة.
Leave a Reply
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.