بهدف تمكين المرأة: المشاريع النسوية تستهدف الرجال أيضا

 هيثم الشريف : رأي آخر

     عشرات المؤسسات النسوية العاملة في فلسطين، تنفذ مختلف المشاريع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وغيرها، فما هو دور تلك المؤسسات في توعية النساء قانونيا وأسريا؟ وهل تمكنت بحق من تمكين المرأة في مختلف المجالات؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا التقرير.

     إحدى الأطر النسوية الفاعلة في الخليل مؤسسة ادوار للتغير الإجتماعي، التي تستهدف النساء بمختلف الانشطة منذ 6 سنوات، والتي تعمل حاليا على ثلاثة برامج حدثتنا عنها مديرة المؤسسة سحر القواسمة “بناء على تجربتنا الميدانية فإن توظيف برنامج واحد للنساء، لن يقود لتغيير حقيقي في واقع المرأة، بالتالي لدينا في آن معا ثلاثة برامج في مسار الجندر والتنمية، الأول برنامج سياسي لكون ان لدى المرأة مشكلة حول الوعي في القضايا السياسية والوطنية، بدليل ان عدد من الإحصائيات الوطنية تشير إلى ان المرأة تفضل الإطلاع والمتابعة للمواضيع الصحية، وهو الأمر الذي جعلها ضعيفة في اطار القضايا السياسية. فيما البرنامج الثاني اقتصادي، الهادف لتحسين فرص عمل المرأة والحد من الفقر والبطالة وردم الفجوة في نسبة مشاركة المرأة الإقتصادية، وذلك عبر مشاريع غير تقليدية كمشاريع الدمى والنجار وطرق مواجهة السوق التي استهدفنا من خلالها الخريجات الجامعيات بالذات. فيما البرنامج الثالث اجتماعي يهدف لتعزيز ثقة المرأة بالنفس  بشكل يمكنها من ان تغدو صانعة قرار”.

 

الصورة النمطية عن المرأة

   لكن تغيير الصورة النمطية عن المرأة، وتطوير العلاقة التكاملية مع الرجل القائمة على العدالة الاجتماعية بين الطرفين، لا يمكن ان تثمر إذا ما اقتصر الاستهداف للمرأة عبر تلك البرامج  دون الرجل سألنا مديرة مؤسسة ادوار للتغير الإجتماعي، والتي ردت تقول” هذا صحيح، لذلك ومن خلال البرنامج الإجتماعي بشكل اكثر تركيزا، نستهدف الى جانب النساء ايضا الرجال النافذين والمؤثرين على مستويات الدين والسياسة والرجال في الميدان، وقد طرحنا أمامهم الكثير من القضايا الحساسة مثل قتل النساء والطلاق وكتابة مصطلح مُطلقة في الهوية الرسمية، بالتالي فإن30% من المستهدفين رجال” .

 

مناطق الاستهداف

    وحول أكثر المناطق التي تحتاج للإستهداف عبر تلك البرامج، ومقدار التغيير الحقيقي الذي حققته ادوار من خلال تلك المشاريع قالت سحر القواسمة” انصب تركيزنا على استهداف التجمعات البدوية الأكثر تهميشا في المناطق المهمشة (ج)، كـ  الهذالين وأم الخير والزويدين  ومضارب بدو النجاده جنوب شرق يطا الواقعة جنوب محافظة الخليل، حيث كانت تعاني النساء البدويات في تلك المناطق من الإقصاء ومن منع الخروج من المنزل، ما دفعنا لفتح فرع للمؤسسة هناك منذ 5 سنوات، وقد اصبح متقبلا فكرة ان النساء تخرج وتجتمع وتتحدث، وفي كل لقاء يكون ما بين 50-60 إمرأة، بحيث اننا نصل سنويا لقرابة 3 آلاف إمرأة.

    وختمت سحر القواسمة مديرة مؤسسة ادوار للتغير الإجتماعي حديثها بأن تناولت ما أثمرت عنه تلك المشاريع” من الآثار المثمرة لبرامجنا التي استهدفت النساء على سبيل المثال، ان 9 نساء بدويات دخلوا في المجالس المحلية، بعد ان كانت فكره مشاركة المرأة مرفوضة نتيجة لعادات وتقاليد وانماط سلبية كانت سائدة، ومنهن من قادوا جمعيات، وان ثلاثة بدويات أصبحن عضوات لجان مجتمعية، وهذه سابقة في تاريخ البدو. ايضا فإن من النساء المستهدفات من قمن بصياغة وثيقة حقوقية حول مصطلح مطلقة في الهوية الرسمية، واجتمعن مع قاضي القضاة، وشرحوا له كيف أن ذلك يُعد بمثابة تمييز ضدهن، ومنهن ايضا من اصبحت تدير مشاريع اقتصادية”.  

 

المستفيدات

    إحدى المستفيدات من البرامج التي قدمتها مؤسسة ادوار الطالبة الجامعية فاديا زاهده، والتي تحدثت عن دور المؤسسة في تطوير مشروعها الإقتصادي القائم” لي مشروع اقتصادي قائم منذ 5سنوات بعنوان(عجائب الورق)، وهو متعلق بتحويل قصاصات الورق الملونة بمساندة مواد أولية بسيطة لأشكال وتحف فنية عديدة ذات مجالات متعددة كعمل الميداليات وألبومات الصور واقلام الثلاجات واحرف الاسماء، وقد ساعدتني المؤسسة من خلال العديد من الدورات في تطوير المشروع، بحيث اصبحت الآن اعمل إكسسوارات لشعر الأطفال من الورق وغيرها، كما تم تدريبي على طرق احتساب الجدوى الإقتصادية والتشبيك والمشاركة في العديد من المعارض. علما ان تطوير منتوجاتي أدى لازدياد الإقبال عليها، ومن ان يكون هناك مردود وعائد مالي منها، وحتى من ان افوز بالمركز الأول  بعدة مسابقات محلية”.

    ولم يقتصر الدعم بالنسبة لطالبة الجرافيكس في جامعة بوليتكنك فلسطين على تطوير مشروعها الإقتصادي، بل امتد إلى الدعم النفسي تقول فاديا زاهده” النمط السائد في مجتمعنا ان الفتاة لا يمكنها ان تخرج وحدها وذلك يتسبب بشعورها بالقلق والخوف والتردد، بالتالي تلقيت من المؤسسة كل الدعم على صعيد تعزيز الثقة بالنفس وتطوير الذات، عبر الإيمان بأهمية وضع اهداف مستقبلة تسعين للوصول اليها وتحقيقها، وكيف ان الحياة تعطينا إشارات معينة تدلنا على الطريق الواجب سلوكه للخروج من ظروف صعبة كل انسان يمكن ان يمر بها في حياته، علما ان هذا الأمر يخلق نوع من التحدي في داخلك ويدفعك لإكمال مسيرتك وهذا ما تم، حتى انني بفضل الله ومثل هذا الدعم عدت للدراسة الجامعية، وانا حاليا في السنة الثانية”.

      ومن المؤسسات النسوية الفاعلة على مستوى الوطن مؤسسة( سوا) التي تأسست عام 1998، من  قبل مجموعة من المتطوعات الفلسطينيات الناشطات في مجال المرأة، والتي حدثتنا مديرتها أهيلة شومر عن بعض اهدافها” توفير الدعم والحماية والإرشاد الاجتماعي لضحايا العنف من نساء وأطفال، وتوفير خدمات التوعية المجتمعية، حيث تتمثل أولوية المؤسسة في مناهضة كافة أشكال العنف والإساءة والإهمال ضد النساء والأطفال، وتسعى  للتشبيك مع الجهات والأطراف المجتمعية ذات الصلة لنشر وترويج قيم الإنسانية والمساواة على أساس النوع الاجتماعي بهدف إيجاد حياة كريمة  للأفراد ومجتمع أكثر أمناً. وكل ذلك عبر برامج متعددة من بينها(مركز الاستماع) الخط الهاتفي المجاني لحماية المرأة والطفل(121)للدعم والمساندة والارشاد النفسي الاجتماعي الأولي للنساء، والشباب والشابات والأطفال الذين يتعرضون لكافة أشكال العنف والإساءة والإهمال، إضافة لتقديم الاستشارات الطبية والقانونية من خلال طاقم مدرب ومؤهل على أيدي خبراء يتمتعون بكفاءة عالية يومين في الاسبوع ، إضافة لما يلي ذلك من خدمة المرافقة والتحويل للمؤسسات ذات العلاقة”.

     وأتبعت أهيله شومر” ومن ضمن البرامج التي لدينا برنامج التربية والتوعية المجتمعية الهادف لرفع الوعي والتثقيف لمناهضة كافة أشكال العنف والإساءة والإهمال  ضد النساء والأطفال والتثقيف الاسري والتربية الجنسية، من خلال تقديم ورش عمل ومحاضرات توعوية لكافة فئات المجتمع، هذا ويتضمن البرنامج التربوي أنشطة متفرعة من بينها العيادة النفسية الإجتماعية المتنقلة للوصول بالخدمات إلى المناطق النائية والمهمشة والمحاذية لجدار الفصل العنصري، ومركز الإرشاد وجها لوجه لكسر الفجوة بالاتصال والتواصل بين الأهل وأولادهم، وغيرهما”.

      وتوضح مديرة مؤسسة (سوا )عددا من الآثار الايجابية التي تمت نتيجة لتلك البرامج” خلال الأعوام 2009-2015 عمل مركز الاستماع على تقديم الارشاد والدعم النفسي الأولي وتوثيق أكثر من 185 الف حالة للمتوجهين من الاناث والذكور. من بينهم ما يزيد عن 100 الف  إمراه وفتاه ، وهو الأمر الذي اتاح لمئات النساء والفتيات الوصول للدعم الآمن والحماية بسرية تامة، لانه ونظراً للهيمنة الذكورية التي تلعب دوراً هاماً في ترجيح كفة المعتدي تضطر المعتَدى عليها الى الصمت وعدم مواجهة المجتمع، خاصة اذا كانت تتعرض للعنف الجنسي الذي يعتبره المجتمع من التابوهات ويرفض الحديث عنه،بالإضافة الى قيامنا بالعمل مع مئات النساء من خلال ورشات العمل ومجموعات تمكين النساء، التي ساعدتهن في فهم حقوقهن، وإعطائهن مساحة للتفريغ والخروج من ضغوطات الحياة التي تمر بها كل واحدة منهن، وهو الأمر الذي يسهم في التغيير الإجتماعي، ويرفع الوعي حول قضايا العنف ضد النساء ومسؤولية كل فرد الحد من العنف، بالإضافة لتدريب المهنيين الذين يعملون مع الناجيات من العنف، واكسابهم اليات التعامل مع الناجيات، واهمها الاصغاء والمسانده دون القاء اللوم والتذنيب عليها، بالإضافة لذلك أننا  نعمل على توثيق من خلال قاعدة بيانات خاصة بالمؤسسة حالات العنف المبني على النوع الاجتماعي، المنتشرة بالمجتمع، والتأثير على صناع القرار من اجل العمل على تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية، ومن الأمور التي تؤكد مقدار ومدى التأثير الذي تتركه سوا على حياة النساء الناجيات من العنف، حصول (سوا) على جائزة ستارز ايمباكت 2015، لتميزها في عملها وتأثيرها على حياة الافراد الذين تقدم لهم الخدمة”.

 

     مع ذلك تقر اهيلة شومر مدير مؤسسة(سوا) ان التغيير الاجتماعي يحتاج الى سنوات طويلة كي نستطيع ان نلمسه، وتضيف” كما ان التغيير في واقع حياة النساء الواقعات تحت اثر العنف بكافة اشكاله هو مسؤولية اجتماعية تقع على كل فرد من افراد المجتمع، و لمعالجة هذه المشكلة هناك حاجة لان تتظافر الجهود بين المؤسسات الرسمية والغير رسمية في هذا الشأن، إضافة الى تخصيص ميزانيات من قبل الدولة لمعالجة مشكلة العنف المبني على النوع الاجتماعي، خاصة وانه في الواقع الفلسطيني هناك العديد من التحديات التي تعيق عملية التنمية الإجتماعية”.

 

دور المؤسسات النسوية

    وزيرة شؤون المرأة الدكتورة هيفاء الأغا تناولت في معرض ردها دور المؤسسات النسوية في توعية المرأة في حقوقها القانونية والإجتماعية ” ليس للمؤسسات النسوية اتفاق إطار نسوي موحد فيما بينها، مع ذلك فقد اتخذت تلك المؤسسات ثلاثة اشكال رئيسية بينها الجمعيات ذات الطابع الإغاثي، والأطر والإتحادات الهادفة لتمكين وتقوية المرأة، والمراكز النسوية التي تعتبر نفسها صاحبة الرؤيا الأوضح انطلاقا من تركز عملها على تنمية المرأة على مختلف الصعد، ورغم الاهداف العديدة والسامية لتلك المؤسسات في مختلف الأبعاد الإجتماعية والقانونية، ومن ان عدد من تلك المؤسسات قد حققت أهدافها، فإن عدد من تلك المؤسسات حققت انجازات محدودة، وبعضها الآخر لم تحقق أي اهداف، وكان همها  جلب الأموال وتسويق بعض الأفكار التي قد تكون بعيدة عن عادات وتقاليد وثقافة شعبنا الفلسطيني الشرقي ارضاءا للمانحين بعيدا عن حاجة المرأة”.

      لذلك ترى وزيرة شؤون المرأة أنه” بشكل عام لم تنجح المؤسسات النسوية في عملها بشكل واضح  بدليل ان نسب الطلاق مازالت مرتفعة وقد تكون في ازدياد،  وان نسب العنف ضد المرأة لم نلحظ عليه تغيرا دراماتيكيا، وذلك نتيجة ان بعض هذه المؤسسات والجمعيات تركز فقط على المرأة،  فتغرس في ذهنها افكارا تعتبرغريبة عن الزوج وتطالبه بحقوق لها هو ذاته يجهلها وتتحدث معه بأفكار لم يسمعها او يتوقع من زوجته اثارتها! لذا ارى ان تعيد بعض هذه المؤسسات استراتيجيتها وخططها وآلياتها وان تعمل على احداث التغيير الإيجابي الحقيقي الذي يتقبله المجتمع وليس السلبي  و ان يتم التركيز على الرجل والمرأة معا  بل والأسرة ككل، والعمل على تغيير المفاهيم الخاطئة التي تفضل المجتمع الذكوري على الأنثوي بطريقة مهنية تتماشى ومجتمعنا، وأن لا تتبنى بعض هذه المؤسسات افكارا غريبة عنا لمجرد ارضاء المانحين فقط ومن يصب الأموال حتى لو كان على حساب الأسرة ومصالحها وتماسكها، خاصة واننا لا نعتبر دور تلك المؤسسات دورا مكملا لنا وإنما نعتبر تلك المؤسسات شريكة لنا، حيث نعمل بالشراكة مع العديد من المؤسسات النسوية التي تعمل بإخلاص وصدق وشفافية مع المرأة ، والتي يتركز هدفها الأسمى على تطوير وتمكين المرأة واعطائها حقوقها وانصافها .

    وبحسب وزارة شؤون المرأة يبلغ عدد المؤسسات والأطر النسائية العاملة في فلسطين 84 منظمة نسائية، 70 منها في الضفة الغربية، ففي رام الله وحدها 21 منظمة نسائية، تليها القدس17، ثم نابلس وسلفيت10 مؤسسات، ثم بيت لحم9، فالخليل4، و3 مؤسسات في كل من جنين وطولكرم واريحا.

   أما احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني  تشير إلى إن عدد المنشآت العاملة في القطاع الخاص والقطاع الأهلي والشركات الحكومية في فلسطين حسب المحافظة وأنشطة اقتصادية مختارة للعام 2012 يبلغ 311 منشأة. فيما يشير التقرير السنوي للعام 2014 الخاص بمسح القوى العاملة الفلسطينية  ان معدل البطالة من بين المشاركين في القوى العاملة للأفراد15 سنة فأكثر في فلسطين بين الإناث عام2000 كانت 9.9%، ومن انها ارتفعت لـ27.4% في العام2014.

haitham9000@gmail.com

Be the first to comment

Leave a Reply