المرأة المقدسية بين الصراع والصمود

يوم المرأة العالمي هو اليوم الذي يحتفل به العالم في الثامن من آذار من كل عام بالمرأة.  يهدف هذا اليوم إلى إبراز أهمية النساء في المجتمعات المختلفة ودعم حقوقهن وتحقيق المساواة بين الجنسين، ويعتبر يوم المرأة العالمي فرصة للتذكير بالتحديات التي تواجهها النساء في جميع أنحاء العالم، وللعمل معًا لتحقيق التغيير، وسنسلط الضوء في هذه المقالة التحديات والمعيقات التي تواجه المرأة المقدسية بوجه الخصوص.

تعاني المرأة المقدسية من العديد من المعيقات والتحديات بواقع كونها إمرأة تقطن منطقة ترزخ تحت الاحتلال وتواجه العديد من الضغوطات والتضيقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهي تتعرض للاضطهاد والتمييز والاعتداءات المتكررة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاعتداءات الجسدية والإساءة إلى الكرامة الإنسانية.

بالاضافة إلى ما تواجهه المرأة المقدسية من تحديات عديدة في حياتها اليومية، من بينها جدار الفصل العنصري والحواجز ونقاط التفتيش التي تفصل بين أجزاء المدينة وتجعل حركة المواطنين والمواد صعبة.  كما تواجه المرأة المقدسية تحديات كبيرة في الحصول على الخدمات الأساسية من الماء والكهرباء وخدمات الصرف الصحي، مما يزيد معاناة المرأة في مدينة القدس في ابسط احتياجاتها.

إن هذا التحديات والمعيقات التي تواجهها المرأة تؤثر بشكل كبير على فرصها ومشاركتها في مختلف الأدوار الاجتماعية والاقتصادية، فهي تقلل من دورها الاجتماعي في المشاركة في الفاعلة في بناء المجتمع المقدسي وتعزيز مناعته وصموده، كما تقلل من إسهاماتها في رفد مجتمع المقدسي من قدراتها العملية وأفكارها التنموية البنّاءة.

بالإضافة إلى ذلك، تعاني المرأة المقدسية من التهميش والتمييز الاجتماعي داخل المجتمع، وقلة فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية.  فهناك اجحاف للمرأة المقدسية يتمثل في محدودية المهن التي تمارسها النساء، واقتصارها على المهن المقبولة اجتماعياً مثل الاقتصار على وظائف في القطاعات  الخدماتية والابتعاد عن مجال الأعمال الخاصة. فنجد لدى المرأة الرغبة في الحصول على وظائف تتناسب مع دورها في الرعاية، مما يمنعها من الانخراط الفعال في الحياة الاقتصادية كجزء فاعل ومؤثر في العملية الاقتصادية.

وتواجه المرأة المقدسية أيضا واحدا من أصعب التحديات الانسانية المتمثل في الاعتقال السياسي وما ينطوي عليه من انتهاكات مختلفة للأسير، حيث يؤكد نادي الأسير أن الأسيرات -كالأسرى كافة- يواجهن انتهاكات جسيمة، إذ تحاول أجهزة الاحتلال بكافة أدواتها انتهاك حقوقهن وإمهان الأذى فيهن. وقد بلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات 29 أسيرة في سجون الاحتلال، ومنهن 19 أسيرة مقدسية. وقد صعّدت سلطات الاحتلال استهدافها للإناث على مدار الفترة الماضية، ووسعت دائرة الاعتقال بشكل كبير، كما أصدرت بحق بعضهن أحكاماً قاسية، وفرضت على أغلبيتهن غرامات مالية باهظة. بالإضافة إلى ما تقوم به إدارات السجون من تصعيد وقمع للأسيرات في سجونها والاعتداء عليهن وعدم مراعاة خصوصيتهن، عبر تركيب كاميرات مراقبة وغيرها من الإجراءات التعسفية ومصادرة الحقوق، بما في ذلك الحق في تلقّي الرعاية الطبية اللازمة والعلاج المناسب، والحق في استقبال الأهل وأفراد الأسرة بصورة منتظمة، إذ تعاني الأسيرات جرّاء عدم انتظام برنامج الزيارات، وكثيراً ما اشتكت الأسيرات من تفاقم معاناتهن جرّاء سوء المعاملة وما يتعرضن له من مضايقات.

ولعلنا في يوم المرأة العاملي نذكر العالم بقصة واحدة من أبرزالأسيرات وهي الأسيرة إسراء جعابيص. إسراء جعابيص هي أسيرة فلسطينية من مواليد جبل المكبر في مدينة القدس المحتلة، اعتقلت بعد حريق شب في سيارتها وأصيبت على إثره بحروق من الدرجة الأولى والثانية والثالثة في 60% من جسدها،  حيث فقدت ثمانية من أصابع يديها، وتعاني من تشوهات في منطقة الوجه والظهر مما يجعلها تواجه إشكالية في تحريك يديها، ويجعل القيام بأي عمل يتطلب جهدا كبيرا ومساعدة من الآخرين. كما تمنعها  حالتها الصحية من الأكل والشرب بشكل طبيعي بعد أن ذوبت الحروق شفتها السفلى. ورغم كل ذلك، فإن سلطات الاحتلال تنتهج سياسة الإهمال الطبي بحقها وحق الأسيرات الفلسطينيات اللواتي يعاني معظمهن من إصابات جسدية وأمراض.

رغم كل القيود والمعيقات التي تواجهها المرأة المقدسية، إلا أنها تمكنت من الحفاظ إرادتها وإيمانها، فهي تؤمن بأنها قادرة على تغيير الواقع الصعب الذي تعيشه، و تسعى المرأة المقدسية للمشاركة الفاعلة في المجتمع والمساهمة في بناء مستقبل أفضل للجميع من خلال تطوير قدراتها في المجالات المختلفة من خلال التعليم الاكاديمي والمهني، وتحقيق حريتها الاقتصادية، وتكثيف مشاركتها الاجتماعية والسياسية في المؤسسات والاتحادات والنقابات المختلفة.  وقد تمكنت من إثبات ذاتها والنجاح والقيام بأدوار مختلفة ومتعددة في  مجال التعليم والمهن الطبية وغيرها من القطاعات الشبيهة.

بالإضافة إلى دور المرأة المقدسية التي هي جزء أساس من مجتمع له خصوصية في مدينة القدس، وذلك لاعتبارات كثيرة منها الواقع الأمني الذي تعيشه المدينة، وما تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المدينة من سياسة حصار محكمة الإغلاق، بدءاً من جدار الفصل العنصري المحيط بها، حتى ما تفرضه من قوانين تسيطر على مجريات الحياة الأسرية، ومنها التلاعب بالقوانين الخاصة بمستحقات التأمين الوطني، والمرتبطة بتواجد المرأة المقدسية بمناطق يجب أن يكون تصنيفها مناطق (إسرائيلية) أو منطقة قدس بالمفهوم الدارج، وخارج مناطق تحكّم السلطة الوطنية الفلسطينيّة. لم يكن من السهولة بمكان الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية بكافة اشكالها وتجلياتها دون مشاركة فئات المجتمع المقدسي المختلفة وخصوصا المرأة، والتي كان لها دور فاعل وايجابي بهذا الصدد.

أما في ميادين النضال الفلسطيني، فإن أدت المرأة المقدسية دورا مهما وفاعلا على مختلف الجبهات، حيث لعبت دوراً اساسياً في مواجهة الاحتلال، بدأ من دورها في المنزل كإسعاف المرضى أو الحياكة لتصير رافدا اقتصاديا للأسرة المقدسية،  وانتهاء في الشارع حيث المظاهرات والمواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من المساهمة البناءة للمرأة الفلسطينية في تحديد وصون الكينونة الفلسطينية في مدينة القدس، إلا أنه يوجد نقص في الأبحاث والدراسات التي تتحدث عن دورها في الحفاظ على الهوية الوطنية ومقاومة الاحتلال، فقد تطرق بعض الكتاب والباحثين إلى دور المرأة الفلسطينية، غير أن ذلك يعتبر غير كافِ للإلمام بدور المرأة على مستوياته المختلفة، لذلك يجدر بالباحثات والباحثين الوقوف عند هذا الدور وأبعاده المختلفة، علهم يستطيعون إنصاف المرأة والاحاطة بدورها وبحضورها وآفاق تطلعاتها النابعة من ماض يعتز به كل من آمن بفلسطين الوطن والقضية.

إن لمن الأهمية القصوى السعي لتحقيق المساواة لصالح المرأة المقدسية وتحسين ظروفها الاجتماعية والاقتصادية، ورغم أن  المجتمع الفلسطيني يتمتع بثقافة قوية تؤمن بدورالمرأة في المجتمع، وتعزز قدراتها وتقدر دورها في الحفاظ على الهوية الفلسطينية والتراث الثقافي والتاريخي للمنطقة،  إلا أن تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين وتحسين أوضاع المرأة المقدسية يتطلب جهوداً مستمرة ومنسقة من الجهات الحكومية والمجتمع المحلي والدولي، وذلك لتقديم الدعم للنساء المقدسيات ومساندتهن في مساعيهن لتحقيق العدالة والمساواة والسلام في مدينة القدس، والتي تعتبر واحدة من المدن الأقدس في العالم لدى المسيحيين والمسلمين واليهود ، مما يجعل المرأة المقدسية ركيزة هامة في الصمود في وجه التحديات التي تواجهها المدينة.

 

 

                                                                                                                                         الاستاذة سلفيا ابو لبن 

Be the first to comment

Leave a Reply